السياحة والجزائر... قصة حب عنيفة لم تعرف نهاية سعيدة إلى حد الآن، الحب يتجلى في روعة المكان وقصة أزمنة غابرة ضاربة في عمق التاريخ والمعضلة تتمثل في الأخذ والجذب بين خيار فتح الاستثمار دون بيروقراطية وعراقيل مالية، أو خيار العزلة وتوجيه المطارات الوطنية والموانئ الجزائرية نحو خدمة العبور للسياح الأجانب والمغتربين من أهل الوطن نحو بلدان أفريقية وأوروبية مجاورة للجزائر ولحوض المتوسط.
فحصة الجزائر من سوق السياحة العالمية ضئيلة جدا بسبب العجز في هياكل الاستقبال التي لا توفر حاليا سوى 81 ألف سرير، منها 36 ألف تابع للقطاع العام، وأن 90 % من الحظيرة الفندقية بالجزائر لا تستجيب للمقاييس الدولية، وفق دراسة أعدتها شبكة "أوروميد" التي تشرف على ترقية الاستثمار بالمنطقة المتوسطية.. وفي نفس السياق أشارت إحصائيات وزارة السياحة الجزائرية أن القطاع لا يوفر سوى 81 ألف سرير، 80 % منها غير مصنفة، معربة على تفاؤلها من الاستراتيجية القطاعية إلى غاية سنة 2015 التي ستمكن البلاد من استقبال 4 ملايين سائح، في حين سيبلغ عدد سياح حوض البحر الأبيض المتوسط 24 مليون سائح سنة 2020.
ولتدارك هذا العجز، تشدد الجهة الوصية على ضرورة التعامل مع العقار السياحي بحذر نظرا لحساسيته الكبيرة، كون قطاع السياحة يعتبر قطاعا أفقيا يحتاج إلى تداخل مختلف القطاعات خاصة منها قطاع الأشغال العمومية الذي يوفر البنية التحتية، وأن أولويتها الأولى حاليا في التعامل مع القطاع تنصب على توفير وتأهيل الهياكل ثم الحديث عن الخدمات من خلال التكوين والإعلام والاتصال. وفي ظل هذا التوجه المعمول به حاليا تشهد المرحلة الراهنة تسارع في مجال التنافس بهدف الرفع من قدرات الاستقبال من خلال تشيع الاستثمارات حيث تشير أخر الأرقام إلى وجود أكثر من 800 طلب استثمار على مستوى الوزارة داخل مناطق التوسع السياحي غير أنها لم ترق لأن تكون استثمارات في مستوى القطاع، ''طلب الاستثمار ليس بالضرورة استثمارا''، وأن 40 طلب استثمار سياحي فقط لقي ردا إيجابيا، فيما يوجد 300 مشروع استثمار سياحي ينجز خارج مناطق التوسع السياحي، منها استثمار لشركة ''سيدار'' بزرالدة بـ20 ألف سرير، 5 آلاف سرير لنفس الشركة بزموري ومشاريع ضخمة لخليجيين بمنطقة العقيد عباس في تيبازة.
الجزائر أضعف وجهة سياحية في منطقة المتوسط
أشار تقرير صادر عن عدد كبير من الخبراء تحت إشراف فابريس هاتم، ومشاركة الوكالة الفرنسية للاستثمارات الدولية، أن القطاع السياحي بمنطقة المتوسط يمثل 10 % من الناتج المحلي الخام، إلا أنه يظل تحت المستوى في عدد من الدول من بينها الجزائر؛ التي يبقى القطاع فيها غير مستغل بصورة كبيرة مقارنة بالقدرات والفرص المتاحة. واستنادا إلى إحصائيات المنظمة العالمية للسياحة، فإن القطاع السياحي يمثل 3,9 % من قيمة الصادرات و9,5 % من نسبة الاستثمارات المنتجة و8,1 % من الناتج المحلي الخام. وتصنف الجزائر من حيث حصة السياحة في الناتج المحلي الخام في الرتبة 147 من مجموع 174 دولة، بعيدا وراء تونس (في الرتبة 39) والمغرب (في الرتبة 42). أما عن مستوى التشغيل، فإن القطاع يشغل أكثر من 200 ألف عامل ويمثل حوالي 6,5 % من نسبة التشغيل المباشر وغير المباشر. ولم تسجل الجزائر، حسب التقرير، سوى 23,1 مليون دخول كسائح، ثلاثة أرباعهم من المغتربين. وإن سجل، حسب التقرير، تحسّن خلال السنتين الماضيتين، إلا أن الحصة الجزائرية لا تزال تقدر بـ 2,0 % من التدفقات السياحية. وجنت الجزائر عائدات بلغت 105 مليون أورو مقابل 9,4 مليار أورو لمصر و1,3 مليار أورو للمغرب. وتمثل نفقات السياحة في الجزائر 8,4 % من إجمالي نفقات السياحة في المنطقة.
وحدد التقرير نقاط الضعف والقوة في السياحة الجزائرية، مشيرا بأن نوعية الخدمات غير تنافسية، والقدرة على التكيف من الناحية النوعية والكمية ضعيفة، وعروض الإيواء متواضعة، يضاف إلى ذلك قلة الاحترافية. مشيرا بأن قدرات الإيواء لم تتجاوز 81 ألف سرير مقابل 230 ألف في تونس و150 ألف في المغرب. ولا يزال وزن القطاع العام وثقل ووزن الإدارة يشكل عبئا أيضا، وإن امتلكت الجزائر قدرات سياحية ووسائل مالية معتبرة.
نصيب الجزائر من السياحة العالمية لا يتعدى 1 % وتحتل الرتبة 138 عالميا
أوضح السيد طالب الرفاعي الأمين العام المساعد للمنظمة العالمية للسياحة، في الملتقى الدولي حول ''وضع وتدعيم النظم التنافسية المستهدفة للنوعية في السياحة'' الذي انتظم بنزل الأوراسي بالعاصمة الجزائرية، أن مجموع المقبوضات من الصناعة السياحية العالمية سنة 2004 بلغ 500 مليار أورو، والرقم مرشح للارتفاع عند استجماع الأرقام المتعلقة بالسنة الماضية، لكن هذا الرقم يقود بالضرورة إلى الحديث عن نصيب الجزائر من الملايير، وحتما النتيجة تكون عكسية، كون الجزائر لم تتبن استراتيجية سياحية من شأنها أن تفتك نصيبا من مداخيل السياحة. وزير القطاع السيد نور الدين موسى، عبّر عن ''إرادة الجزائر في تدارك ما ضيعته خلال العشرية السوداء''، قائلا ''لا يعقل أن تبقى الجزائر على هامش التطور السياحي، مع المؤهلات التي تمكنها من افتكاك مكانة في حوض المتوسط''، وبلغة الأرقام، سجلت بلدان العالم السنة الماضية 800 مليون سائح، حازت الجزائر من بينهم على مليون ونصف مليون، وهو رقم قدمه الوزير في مناسبات مختلفة على أنه مشجع وهناك المزيد.
ويتجه ما نسبته 2 % من السياح إلى الجزائر، حسب السيد فرانسوا فيلاس، من جامعة تولوز الفرنسية، وهي نسبة ضعيفة، وهو ما استدعى بوزير السياحة إلى القول أنه يعمل على رفعها من خلال التشريعات والتدابير المتخذة في هذا السياق، موجها نداء إلى المتعاملين من أجل الاستثمار في القطاع، ومشدد بالمقابل على تطبيق القانون ''على كل من تسول له نفسه المساس بحق الزبون''، من جهته يؤكد السيد ريموند سانر، مدير مركز التنمية الاجتماعية والاقتصادية بسويسرا، إن ''الجزائر عرفت تطورا منذ سنة 2003 مثلما علق عليها المنتدى الاقتصادي الذي انتظم بجنيف مؤخرا، لكنها تبقى بعيدة عن تونس والمغرب، وأجمع المتدخلون على أن السياحة في العالم تأثرت بفعل أحداث 11 سبتمبر 2001 وبتسونامي وعديد الأمراض العالمية لكنها في الجزائر مرهونة بالتسهيلات البنكية والتعاملات الاقتصادية التي يجب أن تواكب العصر ولا تجعل من يفكر في الاستثمار السياحي أن يسبق ذلك بالفرار من تلك الفكرة بمجرد تخيل اللهث وراء البنوك والبيروقراطية اللمتناهية والعقلية السائدة "إلى يستنا خير من إلى يتمنى" و"كل عطلة فيها خير" لأن العالم يتحرك بصورة رهيبة ولا مكان فيه للعاطلين.